الدكتور حماد الرمحى يكتب عن: التحول الرقمي في الصحافة والإعلام طوق النجاة «1»
مع مطلع الألفية الجديدة، ظهر على الساحة العالمية مصطلح «التحول الرقمي - Digital Transformation»، وأصبح تقدم الدول ونزاهة اقتصادها يقاس بمدى تطبيق تلك الدول لبرامج ومناهج وآليات وتقنيات التحول الرقمي. وأضحت «عملية الرقمنة - Digitization process» الحاكم الرئيسي لكافة النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية حول العالم.
الدراسات الحديثة أكدت أن 97% من الشركات العالمية شاركت في مبادرات التحول، بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19) وأن نحو 74% من المؤسسات العالمية، اتجهت نحو التحول الرقمي الشامل، بمعدل نمو بلغ نحو 23.6% سنوياً، كما أن عوائد التحول الرقمي على مستوى العالم بلغت نحو 880 مليار دولار، وأن حجم الإنفاق العالمي على التحول الرقمي المتوقع في 2026 يقدر بنحو 3.4 تريليون دولار.
وأشارت الدراسات إلى أن المؤسسات التي نجحت في التحول الرقمي شهدت زيادة مضاعفة في معدلات الإنتاج والنمو الاقتصادي، وانخفاضاً كبيراً في تكاليف الإنتاج ومعدلات هدر الموارد الاقتصادية، وتراجعاً ملحوظاً في مؤشرات الفساد والانحراف المالي والإداري.
كما أكدت الدراسات أن التحسن الذي طرأ على المؤسسات والشركات التي انتهجت «التحول الرقمي» تجاوزت نسبته 100% وأن ما حققته تلك الشركات خلال 18 شهراً بعد تطبيق برامج التحول الرقمي، يعادل النمو الذي حققته تلك الشركات خلال 5 سنوات ماضية، كما ساهم التحول الرقمي في خفض تكلفة إنجاز الأعمال بنسبة بلغت 88%، كما أن المشروعات التي تعتمد على التحول الرقمي لا تحتاج إلا إلى ثلث العمالة مقارنة بالمشروعات التقليدية، كما أن الشركات المتحولة رقمياً استغنت عن ثلثي القوى العاملة، ونجحت في تخفيض تكاليف الإنتاج بنسبة 50٪ مع مضاعفة الأرباح.
ونتيجة لهذه التحسن الكبير في حجم الإنتاج والعوائد وخفض التكاليف اتجهت أكثر من 74% من المؤسسات الاقتصادية العالمية بشكل كامل نحو «التحول الرقمي» وكان في مقدمتها المؤسسات والشركات الإعلامية، التي تحول في عصر العولمة وثورة الحاسبات والمعلومات من قطاع «خدمي وثقافي» إلى «صناعة دولية» لها «منتجات» في شكل «سلع وخدمات» ولها «تكاليف وعوائد» و«مدخلات» و«مخرجات» ولها أسواق عالمية تخضع لنظريات العرض والطلب والمنافسة والاحتكار، والخسارة والربح.
كما اتسمت صناعة الصحافة والإعلام بسمات وشروط وقواعد الصناعة الدولية بما فيها، الاستثمارات الضخمة في وسائل الإنتاج والبث والاستقبال، وتقسيم العمل التقني والفني المتقدم، واستخدام طرق إنتاج يغلب عليها عنصر رأس المال، واعتماد التقنيات الحديثة، والاعتماد على الأسواق الواسعة، والطلب النشط المتجدد الذي يساهم في جلب الاستثمارات وتطوير المنتجات الإعلامية القادرة على المنافسة الدولية.
كما ظهرت ولأول مرة الشركات متعددة الجنسيات في مجال الصحافة والإعلام، والتي تحولت بعد ذلك إلى مجموعات احتكارية، احتكرت صناعة الإعلام على مستوى العالم، واحتكرت صنع القرار في معظم المؤسسات الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومع التطور التقني لوسائل الاعلام والاتصال زاد تغول وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على وسائل الإعلام، واستثمرت هذه الشركات في كافة قطاعات وفروع صناعة الصحافة والإعلام، وفي مقدمتها صناعة المحتوى الصحفي، وإنشاء وتمويل واحتكار ألاف الصحف الورقية والإلكترونية، والاستثمار في صناعة المحتوى الإعلامي بما فيها صناعة الأفلام والمسلسلات والبرامج، وامتلاك وإدارة مئات المحطات الفضائية والمنصات الإعلامية الرقمية.
فضلاً عن الاستثمار في صناعة المعدات والأدوات والآلات التكنولوجية الداعمة للإعلام مثل صناعة «الأقمار الصناعية والكابلات والألياف البصرية وأدوات وخدمات التلفزة الرقمية، والاستثمار في برامج وتقنيات البث والتوزيع والشبكات السلكية واللاسلكية الخاصة بـ«القنوات الفضائية، والمحطات الإذاعية، والخدمات الاتصالية، ووكالات الأنباء العالمية، والاستثمار في تقنيات الميتافيرس الصاعدة بقوة».
وكذلك الاستثمار في صناعة الإلكترونيات الداعمة لصناعة الإعلام مثل صناعة وسائط الاتصال وأجهزة الارسال والاستقبال المختلفة والتقنيات الحديثة وأجهزة الحواسيب وبرامجها حيث تظهر الدراسات الحديثة أن الشركات الأمريكية تسيطر على نحو 75% من الانتاج الصناعي للإلكترونيات في مجال أجهزة الاتصال، فضلاً عن الاستثمار في شركات ودور النشر، وإدارة وإنتاج البحوث والدراسات الاستراتيجية، فضلاً عن ضخ استثمارات ضخمة في شركات الدعاية والإعلان، وشركات العلاقات العامة وإدارة المؤتمرات والمعارض.
وقد نتج عن هذه الاستثمارات الضخمة في الصناعة الرقمية للصحافة والإعلام، أن حققت هذه الشركات أرباحاً كبيرة فاقت كل التوقعات، وتخطت أرباحها لأول مرة في التاريخ أرباح شركات البترول العالمية، وتصدرت شركات الإعلام وتكنولوجيا المعلومات قائمة أغنى الشركات العالمية ومنها على سبيل المثال، شركة أبل (Apple) التي بلغت قيمتها السوقية نحو 2.8 تريليون دولار، وشركة مايكروسوفت (MSFT) أكثر من 2.3 تريليون دولار، وشركة الفابيت جوجل (GOOGLE) أكثر من 1.8 تريليون دولار، وشركة أمازون (AMZN) أكثر من 1.6 تريليون دولار، وشركة ميتا - فيسبوك (META) - أكثر من 922 مليار دولار.
كما بلغت عوائد التحول الرقمي في صناعة الإعلام نحو 627.7 مليار دولار أمريكي في عام 2023 ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 848.5 مليار دولار أمريكي في عام 2027. (statista,2023).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:
- ماذا عن واقع ومستقبل التحول الرقمي في مصر بشكل عام؟
- وماذا عن واقع التحول الرقمي في قطاع الصحافة والإعلام بشكل خاص؟
- وما هي تكاليف التحول الرقمي في قطاع الصحافة والإعلام في مصر؟
- وما هي عوائد التحول الرقمي في قطاع الصحافة والإعلام في مصر؟
تقرير «مؤشر التنافسية الرقمية العالمية» أجاب عن هذه الأسئلة مؤكداً أن مصر تحتل المرتبة الثالثة بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد السعودية والجزائر في برامج التحول الرقمي، بمجموع نقاط 114 نقطة، خلال الفترة (2017-2019) كما حصلت على 29 نقطة في محور «النظام البيئي الرقمي» و85 نقطة في محور «الثقافة الرقمية».
وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي قطعته مصر في عملية «التحول الرقمي» في العديد من المجالات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، إلا أن قطاع الإعلام ما يزال في مؤخرة قطار التحول الرقمي في مصر، رغم أن «صناعة الإعلام» هي الأقرب للتحول الرقمي في جميع دول العالم، باعتبارها أحد أهم قطاعات «اقتصاد وصناعة المعرفة» القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة.
الإشكالية الحقيقية أن فشل خطة التحول الرقمي في قطاع الإعلام المصري، يرجع إلى عدم وجود رؤية واستراتيجية شاملة للتحول الرقمي في منظومة الصحافة والإعلام، تشخص المشكلة الحقيقية في المؤسسات الصحفية والإعلامية، وتضع لها الحلول العلمية والعملية المرنة والقابلة للتطبيق، وتحدد الإمكانيات المالية والبشرية ووسائل وأدوات التطور التقني اللازمة لعملية التحول الرقمي، وليس وضع خطة تنحصر كل أهدافها في التخلص من الخسائر والأعباء الاقتصادية لتلك المؤسسات.